سيرة المدن

مدينة الزرقاء
الزرقاء “سارقي”.. نهر يبوق

الزرقاء “سارقي”.. نهر يبوق

الزرقاء "سارقي".. نهر يبوق.. قصر شبيب

حد الصحراء

في البرزخ الفاصل بين خضرة الأفق الغربي ، ولون البداوة البُنّي شرق مقامها المقرون بزرقة السماء، وصفاء الماء، ودفء الاستقرار، حيث كان المكان

فيها.. تلك الزرقاء..

وعي منبثق من بؤرة العين الراصدة للتغيير كل حين.. وعي مكرّس لجلال التنوع في مستقرها، هناك، لتكون بوابة عمان، وفاتحة دخول البادية الشرقية في الأردن، وكلما ركّز المتأمل فيها، وجدها ثرية بالقائمين عليها، عزيزة بحاضرها، وبماضيها، وكأنها تقول سلاما لكل من واطنني، ومرحبا بكل الآتين إليّ، مارين، وعابرين، إلى مدن أخرى، ودول أخرى، في غير مكان..

بوح الريح

هي الزرقاء، حيث اللثغات الأولى، لبوح الريح حين يهب دفء الصحراء

إليها، وهي النداوة البكر عندما يمرّ بها السيل الذي حمل اسمها، فصارت قرينته

الأزلية.. وهي الزرقاء حاضنة قصر شبيب، ومنها مفترق الدروب التي تجعل بدء الترحال منها، وإليها، يكون منتهاه .

الزرقاء ..

مدينة كلما آنس المقترب منها قبسا من نور عرف أنه يجاور الألفة، والسكينة، وطيب الناس فيها.. وحين تبوح المدينة بما لديها، يُنصت كل المقيمين فيها، وكأنهم يتأكدون من ثراء المكان الذي هم فيه منشغلون، فيزداد تعلقهم بالزرقاء، وتزداد حنوا وقربا منهم، بينما لسانها دائما يذكرهم بما لديها من ذاكرة تخص كل واحد فيهم، ذاكرة تقول أن الزرقاء ، كانت ماء ، وخضرة .. وتقول أيضا أن نهرها كان سبب خيرها، وسرّ استقرار الخلق فيها.

يبوح المكان أكثر بما فيه ..

يقول أن الزرقاء كانت ملأى بالأسود والسباع والضباع، وكانت أرض خير وعطاء وخضرة، وبها أسواق عظيمة.. تلك بعض ذاكرة الزرقاء، وبعض ما باح به المكان عن تلك البقعة الملأى بالخيرات ، وبالثروات .

هناك في الزرقاء، الواقعة شمال شرق عمان، على مسافة ثلاثة وعشرين كيلو مترا من العاصمة، يتأمل المهتم بالمدينة، صدى الاسم، فيعيد حفره في قديم المعنى له، وتخبره الذاكرة هناك، أن المدينة عُرفت فيما مضى من الزمان باسم ( سارقي )، وذُكرت في رسائل تل العمارنة التي عثر عليها في مصر، حيث تعود الى سنة 1375 قبل الميلاد.. هذا بعض تاريخها العريق الذي يجعلها في مصاف أقدم المدن وأعتقها .. تلك هي الزرقاء .

قصر شبيب

هي الزرقاء، حيث اللثغات الأولى، لبوح الريح حين يهب دفء الصحراء

إليها، وهي النداوة البكر عندما يمرّ بها السيل الذي حمل اسمها، فصارت قرينته

الأزلية.. وهي الزرقاء حاضنة قصر شبيب، ومنها مفترق الدروب التي تجعل بدء الترحال منها، وإليها، يكون منتهاه .

الزرقاء ..

مدينة كلما آنس المقترب منها قبسا من نور عرف أنه يجاور الألفة، والسكينة، وطيب الناس فيها.. وحين تبوح المدينة بما لديها، يُنصت كل المقيمين فيها، وكأنهم يتأكدون من ثراء المكان الذي هم فيه منشغلون، فيزداد تعلقهم بالزرقاء، وتزداد حنوا وقربا منهم، بينما لسانها دائما يذكرهم بما لديها من ذاكرة تخص كل واحد فيهم، ذاكرة تقول أن الزرقاء ، كانت ماء ، وخضرة .. وتقول أيضا أن نهرها كان سبب خيرها، وسرّ استقرار الخلق فيها.

يبوح المكان أكثر بما فيه ..

يقول أن الزرقاء كانت ملأى بالأسود والسباع والضباع، وكانت أرض خير وعطاء وخضرة، وبها أسواق عظيمة.. تلك بعض ذاكرة الزرقاء، وبعض ما باح به المكان عن تلك البقعة الملأى بالخيرات ، وبالثروات .

هناك في الزرقاء، الواقعة شمال شرق عمان، على مسافة ثلاثة وعشرين كيلو مترا من العاصمة، يتأمل المهتم بالمدينة، صدى الاسم، فيعيد حفره في قديم المعنى له، وتخبره الذاكرة هناك، أن المدينة عُرفت فيما مضى من الزمان باسم ( سارقي )، وذُكرت في رسائل تل العمارنة التي عثر عليها في مصر، حيث تعود الى سنة 1375 قبل الميلاد.. هذا بعض تاريخها العريق الذي يجعلها في مصاف أقدم المدن وأعتقها .. تلك هي الزرقاء .

قصر شبيب

فيما مضى من الزمان، كان للقصر غموض، كأنه الأحجية. وكان كل من شاهده يكتب عنه، ويوثّقه في كراريس يومياته .

ذات يوم، زار السائح بتلر، قصر شبيب.. تأمله كثيرا، وجال فيه.. اكتشفه.. ثم كتب عنه قائلا :

( رأيت في صعودي إلى الطابق العلوي بلاطة يقارب طولها المتر وضعها البَنّاء اعتباطا عند تجديد البناء الإسلامي الحالي، وقد قرأت عليه باللاتينية ما معناه انتقلت إحدى كتائب الجيش الروماني من ولاية فلسطين إلى الولاية العربية، وعسكرت في هذا الحصن الذي كان أحد مراكز الدفاع للحدود الشرقية زمن أوريليوس بثو، الذي حكم الولاية العربية باسم الإمبراطوريين فالريان وغاليان في السنوات بين 253 و268 ميلادي.. ).

مهيب هو هذا القصر الذي قام العثمانيون بإعادة بنائه، وترميمه ليقوموا باستغلاله في استخدامات عدة، ولتتضح ملامح مساحته قصرا مربع الشكل طول كل ضلع له ثلاثة عشر متر، يحتوي في طياته الغرف، والحجرات، والأقبية، والسلالم، ودهاليز تصل القصر بضفة نهر الزرقاء، حيث حفر له سرداب، يصله بتلك الضفة، لإغراض عسكرية فيما لو حوصر، أو داهمه عدو .

كما أنه قد ذكر، قصر شبيب، العالم الشيخ عبد الغني النابلسي، في طريق عودته من أرض الحجاز، حين دخلت القافلة الزرقاء فقال: (ثم ركبنا، وسرنا، حتى وصلنا إلى الزرقاء، وذلك النهر الجاري بالعذب الزلال، ولكن ليس هناك قلعة، ولا بيوت، ولا فيء، ولا ظلال، فنزلنا هناك في الخيام في ظلّ الكرباس والخام، ورأينا هناك من بعيد مكانا مبنيا بالأحجار، على تلعة من تلعات تلك الأرض يشبه الغار، يقال له قصر شبيب، ولعله الذي ذكره الشاعر بقوله، وإنه من بعض شجعان العرب :

برغم شبيب فارق السيف كفه

                               وكانا على العلات يجتمعان

كأن رقاب الناس قالت لسيفه

                                  رفيقك قيس وأنت يماني )

عتبة بن أبي لهب

الزرقاء ..

فيما مضى من طيّات الزمان، كانت مأوى للأسود، والسباع. وقد عُرفت بذلك، حتى أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) دعا على عتبة بن أبي لهب، فقال ” اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك “. فافترسه الأسد بالزرقاء من أرض الشام. ويذكر مفصل القصة، الحافظ الدميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى في مادة الأسد، بسنده إلى الأسود بن هبارة، قائلا بلسانه: تجهز أبو لهب وابنه عتبة نحو الشام، فخرجت معهما، فنزلنا الشراة قريبا من صومعة راهب، فقال الراهب: ما أنزلكم ها هنا، هنا سباع.

فقال أبو لهب : أنتم عرفتم سني وحقي .

قلنا : أجل .

قال: إن محمد دعا على ابني فاجمعوا متاعكم على هذه الصومعة، ثم افرشوا لابني عليه، وناموا حوله.

 ففعلنا ذلك، وجمعنا المتاع حتى ارتفع، ودرنا حوله، وبات عتبة فوق المتاع، فجاء الأسد، فشمّ وجوهنا، ثم وثب، فإذا هو فوق المتاع، فقطع رأسه، فقال: سيفي يا كلب، ولم يقدر على غير ذلك..

وفي رواية: فوثب الأسد فضربه بيده ضربة واحدة، فخدشه، فقال: قتلني، فمات لساعته، وطلبنا الأسد فلم نجده، وإنما سماه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كلبا لأنه يشبهه في رفع رجله عند البول.

قال الرحالة

الزرقاء ..

حاضرة، وفاتحة الصحراء..

مثلما نظمها الشعراء قصائد، كتبها الرحالة، والمكتشفون، والزوار، فأطنبوا في وصفها، وذكروا تفاصيل كثيرة عنها، حتى أنه لا يمكن الاستغناء عن كتابتهم، لتشكيل صورة كاملة عن الزرقاء، فقد قال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان: (الزرقاء بلفظ تأنيث الأزرق: موضع بالشام بناحية عمان، وهو نهر عظيم في شعارى ودحال كثيرة، وهي أرض شبيب التبعي الحميري، وفيه سباع كثيرة مذكورة بالضراوة، وهو نهر يصب في الغور).

بينما أوردها المقدسي في أحسن التقاسيم، عند ذكره المتشابه من أسماء البلدان حيث قال: (الزرقاء قرية في طريق الري، وموضع في طريق دمشق..).

وهو في موقع آخر يحدد مقدار المسافة إليها، فيقول: ( وتأخذ من عمان إلى مآب أو إلى الزرقاء مرحلة مرحلة، وتأخذ من أذرعات إلى الزرقاء مرحلة).

وقد مرّ بها المؤرخ ابن طولون الحنفي فقال عنها : (ثم رحلنا أوائل الفجر من الغد فوصلنا إلى الزرقاء، وهي بين السرية والبلقاء، وقت الغروب فبتنا بها ثم رحلنا أوائل فجر الغد فمررنا على قرية مركا أوائل النهار..).

وذكرها الرحالة المشهور بكبريت عند عودته إلى المدينة المنورة من رحلته إلى اسطنبول قائلا: (ثم أتينا على الزرقاء، وهو واد من أعمال عمان، وبه قصر شبيب بن مالك، وفيه نهر عظيم ينبت فيه القصب الفارسي..).

 

قال الرحالة

مرّ بها الشعراء ، فتأثروا بالزرقاء، وبنهرها، وبخضرتها، وبأسواقها، وبقصرها، فكتبوها، ومجدوها في قصائدهم، معجبين بها، ومستلبين لفضائها المختلف والذي سطروه شعرا، ونظموه قصيدا، حيث قال فيها الصلاح الصفدي :

( قلت وقد جئنا إلى منزل

                     الزرقاء ، والمحروم لم يرزقِ

 لا ترجعي يا نوق عن مكة

                           فقد سقيناك من الأزرق )

وقال فيها، أيضا:

 

(غَرَفت طعامي بالأخيضر فاغتدى

                                يُكدّرُ عيشي رملُهُ حين يركدِ

 فما زالت الزرقاء يَبْيَضُّ وجهها

                             ووجهك يا وادي الأخيضر أسودُ)

أما العماد الأصفهاني فقد قال فيها:

(سرينا إلى الزرقاء منها ومن يصب

                                   أو ما يسر حتى يرى الورد أو يسري

  تذكرت حمام القَصير وأهلهُ

                                        وقد جزت بالحمام في البلد القفر

وردنا من الزيتون حِسمى وأيلة

                                     ولم نسترح حتى صدَّرنا إلى صدرِ)

كما أن له أيضا :

(ولم أنس بالزرقاء يوم وداعنا

                             أنامل تدمي حيرة للتندم

أعدكِ يا زرقاء حمراءَ أنني

                        بكيتك حتى شيبَ ماؤك بالدم

فيا ليت شعري هل أعود إليهم

                        وهل ليت شعري نافع للمتيمِ)

لكن الزرقاء كان لها حضور في الشعر المعاصر، أيضا، وقد وردت عند مصطفى وهبي التل (عرار)، الذي لم يترك مكانا في الأردن ولم يضمنه في شعره وقصائده، وهو يكتبها في عشيات وادي اليابس قائلا :

(أطيف من الزرقاء أشجاك طارق

                                وبرق بأعلى بقعة السلط خافق

وأجفاك لذات المضاجع والكرى

                              خيال ، وذكرى تستجيش وبارق

وراع يزيد القفر روعاً حداؤه

                                وبوم على أركام ممراح ناعق)

وصف السوق.. والماء

كلما أوغل فيها المحب اكتشافا، زاد في الزرقاء معرفة، وحبا.. هو ذا نهرها، وقصرها.. وها هو أحد الذين كتبوها، فوثقوها في كتاباتهم، بعد أن عرفوها.. نقلّب مكتبة الزرقاء، فنتصفح كتابا اسمه تحفة الأدباء، لصاحبه الخياري، ونقرأ أنه مرّ بها عام 1669م، قاصدا دار الخلافة بالأستانة، فأعجبته مدينة الزرقاء، وكتب مفصلا الحياة الاقتصادية فيها، والتجارة المجتمعة عندها، وراسما نهرها الذي يجري بجوار الداخل إليها، وهو عن كل هذا يقول: ( ثم سرنا غير بعيد قيد ميل أو ينقص أو يزيد فإذا الأعلام الخضر لاحت بالزرقاء، وإذا العيون السود تلمح قصرها الأبيض حقا، وهو قصر عال مرتفع مبيض الظاهر عظيم الوضع، يقال له قصر شبيب، ويقال أنه شيخ من مشايخ العرب أقام بهذا المنزل فابتنى هذا القصر، ولم نزل ندنو والخيام تقرب، وأنا أقول مسليا للنفس أي ذات أرادت الوصول إلى العلم بعظيم القدرة فلتغترب. فبعد أن وصلناها، وحططنا الرحال، وانتظم الشان والحال، سرنا للتنزه في جهاتها، والإحاطة ببعض صفاتها، فإذا سوق قائمة، وخيرات متراكمة، وعوالم متزاحمة، واردة من دمشق الشام، مما حولها من البلدان والقرى، فمن الشام كل فاكهة به موجودة فمن المنقول التفاح بأنواعه، وكذلك الكمثرى، والعنب والحبحب، والخوخ، ومنه الخراساني، وهو غريب الهيئة أشبه شيء بالمفاخر الكبير من الرطب الجبلي المعروف بالمدينة هيئة ولونا، والخيار والقثاء بكثرة، ومن غير الفاكهة البيض بالسلات بحيث تحتوي كل سلة على نحو الخمسمائة بيضة، ويباع مسلوقا مصبوغا بألوان من الصبغ، كل عشرة بمحلق ديواني ويسمونه مصرية، والخبز الخمير المخبوز مدهونا بسمن أو زيت ويباع رخيصا جدا، فاشترينا منه مخبوزا أبيض كل خمسة عشر رغيفا بديواني واحد، وهو كثير، ليس عليه من يسومه، مع كثرة الحجاج وبعدهم عن الخمير، والعناب نصف المد المدني بأربعة مصارية، والكباش الضأن والغنم المعز أمر كثير لا يسأل عنه، وخيل جياد تعرض لتباع حسنة الأوصاف والإبداع. وأما الشعير والتبن وما يشبههما، فالأمر العجيب كثرةً ورخصاً، فالمد المدني من الشعير المغربل بنصفين فضة ديواني، والدجاج نيّا ومطبوخا، فالمطبوخ الواحد بثلاث مصريات، والنىء كل اثنين بخمسة. وأما ماؤها، وما أدراك ما ماؤها، فهو أعذب ماء، وأحلاه، وأرقه، وأصفاه، في ناحية منها على يسار داخلها، وصلت إلى مورده المورود، وشربت منه، فقلت لا عيب فيه يقال، إلا انه حلو وبارد يشبه الماء النجل، لم أر له جرياً ولا زيادة، ويقال أنه ينبع من محل فيسيل، فلا يُعلم إلى أين يذهب، وعلى حافتيه أشجار أشبه شيء بأشجار الورد العظام هيئة ولونا وزهرا. فلقد رأيتها مكللة بالورد الجوري والنصيبي تكليلا يعجب الرائين ويذهب بحزن الحزين، وينعكس على الماء لون ذلك الورد فتخاله مغروسا مثمرا بباطنه.

جلسنا على حد ذلك النهر يظلنا عذاره الريحاني المكلل بالورد، فتخيلته عذارا جديدا غشي وردي خد، وأقمنا به نتنقل بالفاكهة الشامية، والفاكهة المدنية، وهذا المنقول من غير دمشق من بلاد يقال لها عجلون قريبة من هذا المنزل تنقل خيراته إليه إذا نزله الحاج، وهي قرى متقاربة كما أخبرني بذلك بعضهم).

كلما أوغل فيها المحب اكتشافا، زاد في الزرقاء معرفة، وحبا.. هو ذا نهرها، وقصرها.. وها هو أحد الذين كتبوها، فوثقوها في كتاباتهم، بعد أن عرفوها.. نقلّب مكتبة الزرقاء، فنتصفح كتابا اسمه تحفة الأدباء، لصاحبه الخياري، ونقرأ أنه مرّ بها عام 1669م، قاصدا دار الخلافة بالأستانة، فأعجبته مدينة الزرقاء، وكتب مفصلا الحياة الاقتصادية فيها، والتجارة المجتمعة عندها، وراسما نهرها الذي يجري بجوار الداخل إليها، وهو عن كل هذا يقول: ( ثم سرنا غير بعيد قيد ميل أو ينقص أو يزيد فإذا الأعلام الخضر لاحت بالزرقاء، وإذا العيون السود تلمح قصرها الأبيض حقا، وهو قصر عال مرتفع مبيض الظاهر عظيم الوضع، يقال له قصر شبيب، ويقال أنه شيخ من مشايخ العرب أقام بهذا المنزل فابتنى هذا القصر، ولم نزل ندنو والخيام تقرب، وأنا أقول مسليا للنفس أي ذات أرادت الوصول إلى العلم بعظيم القدرة فلتغترب. فبعد أن وصلناها، وحططنا الرحال، وانتظم الشان والحال، سرنا للتنزه في جهاتها، والإحاطة ببعض صفاتها، فإذا سوق قائمة، وخيرات متراكمة، وعوالم متزاحمة، واردة من دمشق الشام، مما حولها من البلدان والقرى، فمن الشام كل فاكهة به موجودة فمن المنقول التفاح بأنواعه، وكذلك الكمثرى، والعنب والحبحب، والخوخ، ومنه الخراساني، وهو غريب الهيئة أشبه شيء بالمفاخر الكبير من الرطب الجبلي المعروف بالمدينة هيئة ولونا، والخيار والقثاء بكثرة، ومن غير الفاكهة البيض بالسلات بحيث تحتوي كل سلة على نحو الخمسمائة بيضة، ويباع مسلوقا مصبوغا بألوان من الصبغ، كل عشرة بمحلق ديواني ويسمونه مصرية، والخبز الخمير المخبوز مدهونا بسمن أو زيت ويباع رخيصا جدا، فاشترينا منه مخبوزا أبيض كل خمسة عشر رغيفا بديواني واحد، وهو كثير، ليس عليه من يسومه، مع كثرة الحجاج وبعدهم عن الخمير، والعناب نصف المد المدني بأربعة مصارية، والكباش الضأن والغنم المعز أمر كثير لا يسأل عنه، وخيل جياد تعرض لتباع حسنة الأوصاف والإبداع. وأما الشعير والتبن وما يشبههما، فالأمر العجيب كثرةً ورخصاً، فالمد المدني من الشعير المغربل بنصفين فضة ديواني، والدجاج نيّا ومطبوخا، فالمطبوخ الواحد بثلاث مصريات، والنىء كل اثنين بخمسة. وأما ماؤها، وما أدراك ما ماؤها، فهو أعذب ماء، وأحلاه، وأرقه، وأصفاه، في ناحية منها على يسار داخلها، وصلت إلى مورده المورود، وشربت منه، فقلت لا عيب فيه يقال، إلا انه حلو وبارد يشبه الماء النجل، لم أر له جرياً ولا زيادة، ويقال أنه ينبع من محل فيسيل، فلا يُعلم إلى أين يذهب، وعلى حافتيه أشجار أشبه شيء بأشجار الورد العظام هيئة ولونا وزهرا. فلقد رأيتها مكللة بالورد الجوري والنصيبي تكليلا يعجب الرائين ويذهب بحزن الحزين، وينعكس على الماء لون ذلك الورد فتخاله مغروسا مثمرا بباطنه.

جلسنا على حد ذلك النهر يظلنا عذاره الريحاني المكلل بالورد، فتخيلته عذارا جديدا غشي وردي خد، وأقمنا به نتنقل بالفاكهة الشامية، والفاكهة المدنية، وهذا المنقول من غير دمشق من بلاد يقال لها عجلون قريبة من هذا المنزل تنقل خيراته إليه إذا نزله الحاج، وهي قرى متقاربة كما أخبرني بذلك بعضهم).