بوح القرى

منشية القبلان: هذه القرية، ذلك الخان!
منشية القبلان: هذه القرية، ذلك الخان!

منشية القبلان: هذه القرية، ذلك الخان!

كتابة وتصوير: مفلح العدوان

منشية القبلان: هذه القرية، ذلك الخان!

الطريق دائما يوصل إلى بناء، وناس، وأطلال قديمة لذاكرة تسكن قرب أحاديث الأهل، و”سواليف الكبار” عن الماضي من الزمان.

تقول حكاية القرية المنتظرة على جانب الدرب بين “صبحا” و”الدفيانة”، في محافظة المفرق، أنها كانت فيما مضى مساحة فارغة إلا من أطلال خربة قديمة تجاور الطريق الترابي، وتشكل بنيانا واحدا، في تفاصيله يحمل معمار خان عتيق، كان يلجأ إليه الناس في ترحالهم، ولذا فقد أصبحت المنطقة حوله تسمى الخان.

 هذا كان اسم قرية “منشية القبلان” قبل أن يسكنها الشيخ الذي أسس القرية واسمه “سعود كساب”، ومعه “فهد عواد”، ثم تم بعد ذلك بث روح معالم الحضور البشري والتواجد الاجتماعي فيها.

يروي قصة القرية كلا الاثنين، وقد التقيناهما قبل عدة أعوام، فهما عاصرا تفاصيلها منذ بداياتها الأولى، لذا فإن الشيخ “سعود كساب القبلان الماضي” يقول أنهم لم يأتوا إلى هنا من مكان بعيد، بل جاءوا من قرية الدفيانة المجاورة للخان، وقد آثر هو ومن معه أن ينتبذوا مكانا خارج قريته الأم فبنى بيته مقابل الخان متوحدا بعائلته هناك، لذلك فإنه مع ثلة رجال رافقوه، بدأت بهم قصة قرية المنشية التي انتسبت إلى عائلة القبلان، قومه الذي ينتسب اليهم.

الموقع والسكان

تشير الوثائق الرسمية، والمراجع الحديثة، الى أن منشية القبلان تقع جهة شرق شمال المفرق، بمحاذاة قرية الدفيانة، وهي تتبع إداريا إلى قضاء صبحا ضمن لواء البادية الشمالية من محافظة المفرق.

كما أن عدد سكان منشية القبلان يبلغ 355 نسمة (183 ذكورا و 172 اناثا)، يشكلون خمسين أسرة تقطن في 55 مسكنا. ومعظم سكان الدفيانة من عشيرة الماضي، ويعملون في الوظائف الحكومية والجيش والزراعة وتربية الأغنام.

البداية الحديثة

باثنين فقط بدأ هذا المكان قريبا من الخان، وهذا كان اسم الموقع حين جاوراه، وكأن الذين آثروا هذه البقعة مقاما كانوا يعرفون تفاصيل بركاته وأهميته المعروفة عبر التاريخ حين كان محطة من محطات المحمل الشامي أيام كان الحجيج يأتونه ليستريحوا عنده بعد طول سفر، هناك في الخان الذي ما زالت أثاره باقية حتى الآن، وكانت البقعة تأخذه عنوانا وتسمية لها.

 تلك قرية الخان، بقيت حاملة هذا الاسم حتى بعد عام  1958م، حيث انتقل شيخ سعود ومن معه في هذه السنة من الدفيانة ليجاوروا هذه الخربة القديمة، حيث شيّد الشيخ في البداية دارا، بناها وحيدا، ثم بدأ أقاربه يرتحلون وراءه إلى أن دشنوا المكان عائلات وأبناء وأحفاد، غير أن تغيير اسم القرية صار أمرا واقعا في عام 1963م حيث بات اسمها ملاصقا لاسم جد أول من واطن المكان وبث الحياة فيه، مشكلا منشية القبلان التي بدأت برجل ما زال يرى تزايد القرية حوله لتصبح معه أكثر من ثلاثمائة وخمسون شخصا هم تعدادها، وهو عقيدهم.

الشيخ سعود القبلان يعرف كل تفاصيل القرية، لأنه يتابع كل شىء فيها، ويعلم أخبار حاضرها وماضيها، غير أنه يقول بأن الحياة كانت صعبة، وهي تزداد قسوة إذا ارتبطت بقلة الماء أيضا لأنهم في هذه المنطقة أيام زمان كانت تردهم المياه من “أبار شبيح” في جبل الدروز، وكانوا يحضرونها على الإبل، ويجلبون معهم إليها من سوريا الطحين والمونة أيضا.

أما بعد تأسيس القرية، وفي مرحلة لاحقة، يقول أنه “كنا نجيب الميه بتنكات من المفرق، بعدين سوو حاووز بالزمله (زملة الدبس)، وكنا نرد عليها بالبهايم، ونجيب المي، لكن الحكومة رسميا وصّلت الميه والكهربا للقرية بالسبعينات..” .

 

المهباش

الرجل الثاني الذي يحمل قصة القرية وتفاصيلها هو “فهد عواد عناد الماضي” يقول أن الترحال من الدفيانة إلى الخان كان في البدء بسبب خلاف على الأرض وقد “بنينا عليها هنا حتى نثبت حقنا فيها”، ويقول “حنا الماضي قسمين(محمود و قبلان)، وأول ما طلعت من الدفيانه أنا وسعود، وكنا بالجيش، وبعد ما طلعنا سكنا هان”.

لكنه يوضح بأنه كان هناك شخص من خارج  القرية يسكن في المكان أيضا، يقول انه “علي المهباش”، وهو نسيب لهم من سوريا، يقول عنه بأن أحد أبناء الماضي تزوج بنت مهباش، “واعطيناه أرض ، وصار يسكن بهالمنطقة”.

المدرسة

عن بداية التدريس في القرية يتحدث أهل منشية القبلان بأن أبناءهم كانوا يدرسون في الدفيانة في البداية، ثم بعد ذلك أسسوا مدرسة وبنوها على حسابهم، بأن جمعوا من الجميع نقودا لبناء المدرسة، وفي البداية تم بناء ثلاثة غرف مدرسية، كان هذا في عام 1973م، وكان فيها مدرس واحد، وكان اسمه الأستاذ عبد الرحمن الزعبي، ويقول “الحاج فهد الماضي”  الذي تشغل بنته”غازية” موقع مديرة المدرسة الآن، يقول أنه “جاء بعد الزعبي اساتذه ثانيين، مثل عيد  عواد حراحشه، وهاني محمد الحنيطي، ودوّاس الخالدي، ومحمد عبود الماضي، ونجاح شاهر الماضي، أما بنته غازيه وهي المديرة الآن فعندها في المدرسة خمس معلمات، والتدريس عندها للصف السادس، وبعد هيك يكون تكميل الدراسة في الدفيانة”.

يتحدث الحاج فهد عن كيف دخل الجيش وقصته مع كلوب باشا، حيث يقول “دخلت الجيش في الـ(47)، وتقاعدت في الـ(67)، وأنا خدمت بفلسطين، وكان تسجيلي على دور “كلوب” لأني خرجت من القرية وأدور على حدا يسجلني بالجيش، ومريت على الكتيبة الثانية لأنو إلي قرايب فيها ،وكانت بالمحطة، فقالوا لي انو ما في تسجيل، بس قلت استنا قريب بلكي انو أشوف كلوب، وما حسينا إلا وكلوب جاي ومعه مرافقه السعودي اللي اسمو (مبرد)، دخلو الكتيبه، واستنيتو لما رجع، وأشرتلوا، ووقف، وكان مبرد ودو يرجعني، بس كلوب سألني، بعد ما حّل عندي، (من وين انت؟)، وجاوبتوا، فقال إلي بكره تجيني بالقياده ،وأعطاني ورقة”.

يكمل الحاج فهد: “كانت القيادة على طريق الدوار الأول، فجيت ثاني يوم وكان في ناس تنتظر، وطلع “مبرد” وطلبني، وقلت لـ”كلوب باشا” ودي البس بالجيش، وهو سألني انو بلكي انت فار وهارب من اهلك، كمان هو سألني عن الشيخ مجحم، وقال لي أجيب ولد “مجحم”، “صيتان”، حتى يلبس بالجيش، وأعطاني ورقه حتى أسجل بالمحطة، وفحصت هناك وقالوا إلي انت ناجح، وبعديها روّحت على أهلي، وبالفعل جبت”صيتان”ابن “الشيخ مجحم”، ولبس بالجيش، وبعيدن وزعونا بالضفة الغربية، وخدمت ب”الجية”، وبعدين بـ”الفينري” في حيفا، وكانت منطقة بترول، وكنا نحرس عليها، بعدين خدمت بعكا، وبالقدس في وقت الحرب، واجازاتنا كانت تطول يعني أحيانا كل شهرين نروّح ثمانية وأربعين ساعة، وهذي إجازة للمتزوجين، يعني إنهم متساعدين معنا”.

 

مقبرة وجامعان

يعرف أهل القرية المقبرة في شرق الخان، ويسمونها مقبرة المنشية، وكلها قبور مهدمة، وقديمة، لأنها في الأصل مبنية على مكان قديم، أثري، ويقول كبار القرية أنه “في ناس حفروا بهالقبور هذي، ولقو انو روسهم مدفونه بعكس دفن المسلمين”.

لكن المقبرة التي تقع في العراء، يوجد بالفعل بجانب كل قبر أثر لحفر، وحجارة متناثرة، ودلالات على حجم العبث الكثير فيها.

ويقول “الحاج فهد” أنه يوجد في القرية أيضا جامعين “فيهن أذان كل يوم بس للأسف أنو ما فيهن شيخ، وما يجي الإمام إلا يوم الجمعه فقط”.

كما يتحدث أهل القرية عن بعض ذاكرة المعاناة فيها خاصة أيم الحروب، فيقولون أنه في أيام السبعينات كان يجيهم قصف شديد واطلاق نار، “ولما يحددوا القصف، يعاينوه من منطقة “خراب الصَخَل”، وهي منطقة تابعة لسوريا، وكان بيننا وبينها شيك، لكن القرية ما سلمت الضرب والقصف من هذي الجهة”.