بوح القرى

أم القطين: طريق القوافل ونقوش الكنائس
أم القطين: طريق القوافل ونقوش الكنائس

أم القطين: طريق القوافل ونقوش الكنائس

"التحيات الطيبات"..

 قلها أيها المريد حين تأتي إلى “أم القطين”، بعد أن تكون اجتزت القرى التي تفصل بين المفرق وهذا المكان..

أنت في جنوب سهل حوران، على مسافة كيلو مترات من الحد السوري الآن، وأنت في القرية التي كلما اعتقدت أنك سبرت سرها تجد أن مكنونها أعمق وأكثر ثراء، فاسمع أكثر مما تتكلم، ودَوّن كل ما تعرفه الآن ثم زد عليه ما ستعرفه عنها غدا..

سجّل أن “أم القطين” لا ينمو التين فيها فمن أين جاءها هذا الاسم المرتبط بالتين المجفف؟

لقد كانت القرية مركزا للقوافل التجارية، وكانت مأهولة بالسكان ومحطة لراحة القوافل، ولعل بعض التجار كانوا يجلبون التين إليها ويجففونه ثم يخزنونه فيها، فأخذت اسمها من هذا الفعل، ويعتبر هذا اجتهاد على مبررات الاسم، لكن هناك نفر من أهلها يورد جذر التسمية في سياق قصة شعبية للتعبير عن المسوّغ الأول للاسم، فيحكون رواية مفادها أنه أيام كانت القرية ضمن دائرة فضاء سوريا وكان يرتادها التجار، سقط ،من هؤلاء الجماعة فيها “حِمل” من التين، وجاء بعد فترة تجار آخرين فوجدوه قد صار مجففا “قُطين”، فقالوا إن هذا المكان هو “أم القطين”، وصار الوصف اسما لها ، وبدأ الكلام يتراكم تباعا على هذه البداية الأولى: “من وين جاي يا فلان؟ فيكون الجواب من “أم القطين” .. أو “لوين رايح يا ابو علان”؟ فيأتي الردّ جاهزا: لـ”أم القطين”..”. ثم تكرس الاسم على المكان فصارت القرية تعرف به.

وقد يجتهد البعض فيشيرون إلى أن الاسم هو أم القِطّين (مثنى قِط) حيث تذكر أحيانا على ألسنتهم وصفهم لذلك بأنه: “كان فيها (ابساس) اثنين، وكانت بريه، فسموا “المَحَلْ” بأم القطين نسبة للبساس الاثنين”.

إضافة إلى ذلك فإن كبار القرية ينبهون المهتم بـ”أم القطين”، بأنه يوجد لهذه القرية أسماء أخرى مثل “الضبيعية” لكونها كانت منطقة غابات، بحسب رأيهم، وكان فيها ضباع كثيرة، كما أنه يرتبط بها، أيضا، اسم “جفنه” تيمنا باسم امرأة أحد أمراء الغساسنة.

طريق الملح

 

هي راسخة منذ القِدم..

هكذا يبدأ حديثه عنها الشيخ”محمد بخيت المعرعر، أبو جمال”، حين زرناه قبل عدة سنوات، ونسجل هنا ما دوناه من حديثه حول ام القطين، وهو الرجل العالم بكثير من تاريخها، والعارف لخفايا ماضيها، وسر تميز موقعها الذي يبدأ وصفه من تلك الطريق النبطي القديم الذي كان جزء منه مهيأ للعربات، والجزء الآخر للجمال، وكان هذا الدرب المعبد بالحجارة يربط أم القطين ببصرى الشام، مثلما هو خط الوصل بين القرية والأزرق أيضا، وبذلك تكون أم القطين في منتصف المسافة بين الموقعين.

وهي بالإضافة إلى تاريخها النبطي والروماني، كانت ذات مكانة عند الأيوبيين والمماليك، هي والمناطق المحيطة بها قريبا من هذه الطريق، وشواهد ذلك كما أوضح الشيخ محمد المعرعر أنهم”بنوا قصور في الأزرق، وصرخد، وبصرى الشام، كما أنه وجدت في أم القطين أسرجة تعود إلى تلك الفترة مكتوب عليها(لا إله إلا الله)، وبني فيها قصور لها تاريخ مثل “قصر المنسف، وقصر قعيص، وقصر المنارة”، وأيضا، هذا الدرب المار في القرية كانت تسلكه قوافل الملح القادمة من الأزرق على اعتبار انه جزء من “طريق الملح”، لذلك فهي منطقة عامرة ووفيرة الماء منذ أقدم الأزمنة ودليل ذلك البرك الرومانية، والآبار، والمساكن القديمة الكثيرة فيها، لكن في الفترة بين عام 1925 و 1930 نهبت القرى المجاورة السورية كثير من أبراج أم القطين، وأخذ حجارتها البعض لبناء مساكنه الحديثة مما أثر على بنيانها القديم، كما أن الفرنسيين في تلك الفترة قصفوا القرية لإعتقادهم أنها مأهولة ويسكن فيها الثوار، فكانوا سببا في تدمير جزء كبير منها”.

ويروي بعض كبار أم القطين أن تاريخ البلدة عريق، ويصل الى ما قبل الميلاد، وهذا مثبت في كثير من المخطوطات والكتابات الأثرية التي وجدت منقوشة على الحجر البازلتي، ويشير بعضهم الى أنه كان موجودا فيها تسع كنائس ذات أبراج عالية شوهدت من قبل الكهول الطاعنين في العمر، وقد تم تصويرها، وهي موجودة في كتب محفوظة في مكتبة الجامعة الأردنية، وهذه الكنائس نهبت وهدمت بسبب الإهمال والإعتداء عليها.

 

نقوش وكنائس

ويتألق نبض الماضي أكثر عندما يكون الوقوف صمتا أمام معالمها التي تمتد جذور الاستقرار البشري فيها إلى مراحل موغلة في القدم، إذ أن كتب التاريخ توثق عن “أم القطين” أنها قد ازدهرت حضارتها في العصور التاريخية الكلاسيكية (النبطية، اليونانية، الرومانية والبيزنطية إضافة إلى العصور الإسلامية).

وعند التركيز أكثر في خصوصية “أم  القطين” من خلال معالمها، يلاحظ المهتم بروز إشارات قوية تعطي الدلالة على أنها كانت ذات أهمية في منطقة حوران الأردنية، وأنها كانت ثاني مدينة بعد أم الجمال.

أما الحفريات الأثرية المكتشفة فيها فتدل على أن “أم القطين” كانت مأهولة منذ العهد البرونزي وحتى العهد العثماني، وبلغت أوج ازدهارها في العهد البيزنطي.

وقد زارها علماء بعثة “جامعة برنستون الأمريكية” في سنة 1904م واكتشفوا آثار أربع كنائس كبيرة، وآثار دير، وكنيستين صغيرتين، ويشير المطران “سليم الصايغ” في كتابه “الآثار المسيحية في الأردن” إلى أن الموقع آنذاك كان خاليا من السكان، إلا انه في غضون الخمسين سنة الماضية نشأت البلدة الحالية فوق الآثار القديمة، ولم يعد من السهولة العثور على جميع الأماكن  التي ذكرها علماء “بعثة برنستون”، لكن “المطران الصايغ” يشير إلى بعض الكتابات التي عثر عليها في بعض الكنائس والأمكنة هناك، ويعود تاريخ أقدمها إلى القرن الثالث الميلادي.

وتدعم ذلك التاريخ القديم كثير من النقوش والكتابات التي وجدت في أم القطين، فعلى قمط باب احد البيوت فيها وجدت هذه الكتابة: “بانيوس بن جادوس من مجلس شيوخ المدينة وامرأته عمري ابنة سليموس،بنيا هذا التركينيوم (المضافة)”.

وعلى شاهد قبر وجد هذا النقش: “هنا يرقد الوالي برسكوس، القائد في الجيش سابقا الذي عاش ستون سنة..”.

كما انه في أم  القطين هناك آثار كنيسة أو مصلى شيّد إكراما لـ”القديس سرجيوس”، وقد نقش على قمط باب الكنيسة، وهو حجر اسود وجد على بعد حوالي خمسين مترا إلى الشمال الغربي من الدير، وعليه هذه الكتابة: “عبد الله بن سالدلوس بنى هذه الكنيسة سنة 162 -وفقا لحساب بصرى-(أي سنة268-267ميلادية)”.

وعلى جدار الكنيسة الصغيرة التي تقع في المنطقة الجنوبية الشرقية للمدينة وجدت الكتابة التالية: “بنيت(هذه الكنيسة) في عهد “عزيزيوس بن جياروس” الضابط المتقاعد”.

أما الكنائس الأخرى في أم القطين فيعود بناءها إلى القرن الخامس أو السادس ميلادي.

الفرقة الرومانية

وتشير البحوث الأثرية إلى أن “أم القطين” كانت لها مكانة تجارية وعسكرية قديمة وقد بقيت محافظة عليها إبان الاحتلال الروماني للمنطقة عام 106 ميلادي، وقد كانت ترابط فيها فرقة رومانية عند السور الشمالي للقرية وكانت تابعة إلى الحامية الرومانية في بصرى الشام.

كما أنه تم العثور على العديد من المظاهر المعمارية النبطية والرومانية والنقوش التذكارية والمسكوكات في أرجاء المواقع الأثرية فيها،إضافة إلى انه تم استخدام موقع القرية جزئيا في الفترة الأيوبية-المملوكية.

 وقد استخدمت الكنيسة الوسطي كمسجد في تلك الفترة، وعثر على كثير من كسر الفخار العثماني المزجج وقطع الغلايين العثمانية، في مرافق القرية، مما يشير إلى استخدامها في العصر العثماني.

 

مدينة تحت الأرض

ما لا يعرفه البعض عن “أم القطين” أن تحتها عالم آخر بقي غائبا، سنين عديدة، حتى تم الكشف عنه حديثا..

كانت تلك العوالم تعبر عن تراكم أزمنة قديمة، عتيقة، موغلة في الماضي، وقد تشكلت خلالها تلك الأنفاق البركانية التي أعاد اكتشافها قبل سنوات الخبير الجيولوجي “الدكتور احمد الملاحمة”، وهي مجموعة من الأنفاق البركانية عددها خمسة لها أبعاد وامتدادات مختلفة وقد استخدمت عبر العصور المتعاقبة لأغراض متعددة، منها كمساكن وجزء آخر للأغراض الدفاعية، وبعضها من أجل العبادة، وفي فترات زمانية أخرى استخدمت كمدافن وكمقابر خاصة، وهذه الصورة حول استخدامات تلك الأنفاق والكهوف القديمة يقدمها الباحث بناء على دراسة وتحليل بقايا الآثار المكتشفة، وقطع الصوان، والأدوات الفخارية، والرسومات التي تمثل كل منها حقبة زمنية من تاريخ البشرية.

امرؤ القيس في قعيص

في القرية تل..

حوض ما زال معروف حتى الآن، يتحدث عن اسمه أهلها فيردونه إلى الشاعر العربي القديم امرؤ القيس، ويقولون أن “تل قعيص” هذا يعود إلى أن الشاعر كان يجلس عنده، ويخلو  إلى نفسه هناك، وربما أقام في المكان الذي يقال انه كان متعارف عليه باسم “عسيبو”، لكن لما أقام الشاعر هناك صار اسمه “تل قيس”، ثم مع توالي الأزمنة تحور الإسم إلى أن صار قعيص، كما تتناقله الذاكرة الشعبية حتى الآن.

امرؤ القيس في قعيص

هناك نسيج اجتماعي في “ام القطين”، يعطيها ميزة التعايش التوافقي الذي كان فيها منذ القدم، ولهذا فهناك سرد روائي لحكاية القرية يمكن جمعه من على ألسن أهلها من “دروز وغير دروز” لذاكرة استقرارهم في هذا المكان.

وفي هذا المضمار يشير الشيخ “محمد المعرعر” إلى أنه كان هناك تعامل قديم بينهم من أيام والده، عن طريق تجارة الحبوب، إذ انه كان هناك محطات حبوب في سوريا وكان الوالد يتعامل معهم، وكانوا يوردوا الحبوب، وهو يوفر نوع من الحماية أيضا، بسبب طبيعة المنطقة، وكان من الأسماء اللي تعامل معها عبد السلام الطباع، وجميل الصفدي، والشربجي.

هذا الحال كان في الأربعة وثلاثين، ولما صار المخفر فتح محسن الصفدي دكان تحت المخفر، وبعدين سكن البريحي كمان، وبقية العائلات”.

تسجيل الأراضي

ويشير المهندس محمد السبهان الى جانب من هذا الحضور للدروز في تلك الفترة، حيث أنهم كانوا واعين بالحياة المدنية والاستقرار بينما كانت قبائل هذه المنطقة منشغلة مع مواشيها والترحال، فأقام الدروز في القرية، وفي ذات الوقت ظهر الشيخ بخيت محمد المعرعر كشخص واع ومدرك لقيمة الاستقرار والأرض والحياة المدنية، فتمت بينه وبين الدروز نوع من التفاهم بينه كممثل للعظامات وبينهم كشركاء في المكان، وبذلك فإنه بوعي هذا الرجل، وبتفهم الدروز صارت بين الطرفين نوعا من الود والتسامح والتعايش، وتم اقتسام الأرض بينهم، وعندما ظهرت الحكومة الأردنية واستقرت الدولة صارت عملية إفراز وتسجيل الأراضي، بشكلها النهائي، في زمن قائد قوات البادية الأردنية الشريف محمد هاشم، الملقب بـ”أبو هاشم”.

 

أيام أبو هاشم

عن هذا التواجد للدروز في المنطقة، يكمل القصة من وجهة نظر أخرى، فوزي ضامن نادر”أبو طلال” وهو من وجهاء الدروز في ام القطين مضيفا في ذات السياق: “إحنا من أيام الشريف حسين وقبل وإحنا متواجدين في سهول حوران، وما كان في حدود بيننا، وكنا في أيام المحل نروح لمنطقة “شبيح” اللي تبعد حوالي عشره كيلومتر عنا، بس اغلب السنين كنا عند آبار المي، وكان الماء يجينا من قناة (ام القطين، الغاربة، شبيح)، والمنطقة في جزء منها ما كان مسكون فيها سوى بعض البيوت”.

ثم يضيف عن ظروف المعيشة آنذاك قائلا:”عام 1916م كانوا هون حوالي أربع، خمس عائلات، وأنا سمعت هذا الكلام لأني من مواليد الـ43(1943م) ، وكانوا ببيوت شعر، ويروحو ويجو، وظلينا هيك، لكن  في الخمسينات تم تطويب الأراضي في المنطقة، وتم التطويب النا إحنا الدروز، مع إخوانا البدو اللي كنا عايشين معهم، وكانت عائلات الدروز مثل عائلة البريحي، ومحمد علي نادر، وحمزه الصريخي، وضامن أبو لطيف، ومحسن الصفدي، وغيرهم، لأنو فوضها لأهل البلد الشريف محمد هاشم(ابو هاشم)، وكان وقتها مستلم قوات البادية، وكان وقتها المرحوم الشيخ بخيت المعرعر، ومن الأسماء اللي كانت كمان عوجان النعيمي، وعوجان الدهيّم، وسليم لقمان، وغيرهم كلهم كانوا متواجدين هنا”.

 

السجاد..والبناء

يقول المختار غازي حمد البريحي”أبو فواز” إن تعداد الدروز في ام القطين حوالي 400 نسمة، وكانوا في البداية مهتمين بالزراعة، لكنهم الآن في الأعمال الحكومية والجيش، وكان أول واحد منهم سكن بالقرية هو “ابو طلال فوزي”، وأول بيت طوب يتذكره كان عام 1962م لـ”أم نواف” وهي امرأة بدوية من بيت سليّم، و”كانت مره منصبيه(رجاليه)”.

ويشارك في الحديث عن تواجد الدروز في القرية، فوزي ضامن نادر”ابو طلال”، احد وجهاء دروز القرية حيث يقول “عاداتنا وتقاليدنا زي اخوانا في القرية عرسنا مثل عرسهم وعزانا مثل عزاهم، بس إحنا على دورنا اشتغلنا فترة بالبناء والبيوت يعني البيت اللي يكلف 200 ليره كانوا يعطونا 20 ليره والباقي أقساط، واشتغلنا بالزراعة”.

يتدخل المختار “ابو فواز” مشيرا إلى أن سبب مجيء جده إلى “ام القطين”، وقد كان يسكن قرية (الغارية) التي تبعد حوالي 11 كيلومترا باتجاه سوريا، لكنهم في تلك الفترة، وهذه الرواية كما وصلته من أبيه، أن الأتراك جاءوا وهدموا بيته، فرحل وسكن هنا، ثم إن جده رجع إلى هناك بعد ثلاثين سنة من تلك الحادثة وأعاد بناء بيته في تلك القرية.

كما يقول”أبو فواز” عن أن عائلته كانت تشتهر بصناعة السجاد، وهذه المهنة جايبينها من سوريا، ويقول”كنا نصنعه بالقرية، كل السجاد بهذي القرية، وهو مكلف بالأردن، وفي فترة ماضية اقترحنا نفتح مركز للتراث الشعبي لكن ما ساعدنا حدا وعندي بعض من السجاد اللي كنا نصنعوا بالسبعينات، ونوعيته ممتازه”.

تحية العلم

للدروز ذاكرة تختلط بالتراب، وبإحساسهم بدورهم الوطني الذي يلتزمون به، وفي هذا الإطار يتحدث المختار حمد البريحي”أبو فواز” قائلا عن الدروز وكيف أنهم عندما اندلعت الثورة العربية، “راحو للعقبة واستقبلوا الثوار وشاركوا معهم بالإنطلاق من هناك مع الثورة”.

 كما أنه لما دخل الأمير فيصل ساحة الأمويين في دمشق في 30/9/1918م ،رفع علم الثورة العربية الكبرى على مبنى سرايا الحاكمية التركية هناك وكان احد فرسان الثورة من بني معروف التابعين لسلطان باشا الأطرش، تقدم لعلم الشريف حسين، وحاكى العلم بتحية له قائلا:

( عهد المظالم انهدم                والعز طَب بلادنا

حنا حماتك يا علم           نفديك بارواحنا واكبادنا

فرساننا فوق القمم       والشريف حسين من اسايادنا)

رجل دين.. مبارك

هذا البساط المصنوع في قرية ام القطين عام 1972م يعد تحفة تراثية عندما أرانا اياه المختار داخل إحدى غرف بيته، وبقدر حجم الانبهار بنسيجه وخيوطه، كان الإعجاب أكثر بصورتين معلقتين على احد الجدران الأولى للثائر والقائد سلطان باشا الأطرش، والثانية لأحد رجال الدين الدرزي الذي قال عنه المختار انه شيخ دين، ورجل صالح مبارك، يلبس عمامة، ولم يتحدث كثيرا عن مذهبه سوى كلمات قليلة في أن مذهبهم امتد من مصر، منذ أيام دور الحاكم هناك، ثم خرجوا إلى فلسطين، وبعضهم بقوا حتى الآن هناك، بينما القسم الآخر خرجوا إلى لبنان، وقسم منهم تعدوا إلى سوريا حيث جبل العرب والأردن، لكنه يوضح بأن مذهبهم كان له حضور قوي أيام الدولة الفاطمية.

 

مركز امن أم القطين

أقدم مخافر البادية يوجد في ام القطين..

 

هناك،على ثراها ما زال المكان كما هو عندما تم تأسيسه عام 1932م ليكون مركزا امنيا وسط  البادية، كان قد تم بناؤه في زمن “كلوب باشا”، وقد بدىء في استخدامه عام 1937م .   

 يقول السيد عبد الله فياض العظامات رئيس بلدية أم القطين السابق أن هذا المركز كان في تلك الفترة عند تأسيسه، إضافة إلى مركزيته، فإنه كان يتم فيه عقد الزواج، وكان المرجع الوحيد الذي تحل فيه المشاكل العشائرية بالتنسيق مع المشايخ والقضاة العشائريين.

ويضيف “الشيخ أبو جمال” أنه كان من قادة هذا المخفر كل من “عيسى الكباس، ودميجان، وجخيدم الدراوشه، وكان اللي بدا يحط النقاط أول مره البريطاني “كرك برايد”، لكنه ما كمّل، وجا كلوب باشا، وأسس المخفر، ومن تاريخ هذا المخفر أيضا أن مشهور حديثه الجازي كان جندي فيه”.

ويتحدث العارفون في تاريخ المركز أنه كان أول حارس لمبنى المخفر، في أيام كلوب باشا، اسمه أبو جمعه”حمدان الهليّل” أما الحارس في السبعينات فكان اسمه “رشيد المرشود”، لكن صارت مناوشات من قبل القوات السورية في تلك المنطقة، فقتل برصاصة في تلك الفترة.

وقد أثر المخفر في المنطقة منذ تأسيسه اذ انه زاد الاستقرار فيها وصارت عامرة بتواجد المخفر الذي ارتبط به الأمن، وحضور عائلات العسكر الذين يخدمون به، فبسطت القرية حضورها واستقرارها، وعمت ظلال أمنها على من حولها.

صرح شهداء البادية

أول الأسماء في القائمة هو الجندي أول صالح علي العظامات الذي استشهد في حرب الـ”48″ في فلسطين، ثم يليه على قائمة الشرف في صرح الشهداء المقام في قرية “ام القطين” تخليدا للذين روّوا بدمائهم التراب الأردني والعربي، دفاعا عن قضايا الأمة، وعن هذا الثرى الطهور، وهذه القائمة تضم فيها أسماء 28 شهيدا استشهدوا في حرب الثمانية وأربعين(1948م)، والستة وخمسين(1956م)، وحرب حزيران(1967م)، ومعركة الكرامة(1968م)، والأعوام(70و71)، وحرب تشرين(1973م)، وشهداء مؤرخة سنوات وفاتهم اثناء استشهادهم عند تأدية واجباتهم الوطنية في الأعوام( 1974م، 1975م، 1978م،1982م)، وأغلب هؤلاء الشهداء مسجل على رخام الصرح إسمه ومكان وتاريخ استشهاده في فلسطين .